تلقى ملايين المستخدمين عبر فيسبوك مؤخراً رسائل تفيد بأن بياناتهم الشخصية قد تسربت بسبب اختراق Cambridge Analytica لها، يأتي هذا بعد أن كشفت صحيفة Observer أن Cambridge Analytica ، التي عملت مع فريق دونالد ترامب الانتخابي استحوذت على ملايين الحسابات الشخصية لمواطنين أمريكيين واستخدمت بياناتهم لبناء برنامج حاسوبي للتنبؤ بالناخبين والتأثير عليهم.
التصدي للمشاكل والقضايا التي تخص الانترنت بما فيها قضايا الأمن والخصوصية ليس بالأمر السهل ليس فقط بسبب النمو والتطور الكبير لهذه الشبكة والأثر الكبير الذي أحدثته على شتى القطاعات ونواحي الحياة، بل أيضاً بسبب طبيعته اللامركزية أي أنه شبكة غير محكومة بسلطة مركزية واحدة تقوم بإدارة الإنترنت وحدها.
الإنترنت هو ثمرة جهود مشاريع بحثية مولتها الحكومة وجهود أفراد من الجامعات ومنظمات القطاع الخاص الذين قادوا معظم تطوره المبكر وجعلوا منه منصة قائمة على تعاون مختلف الجهات والأطراف المهتمة بالأنترنت والمتأثرة بقراراته والتي تساهم في وضع سياساته. نرى في جزء آخر من العالم التصدي لمشاكل الخصوصية وحماية البيانات الشخصية في إقرار المجلس الأوروبي لقانون حماية البيانات العامة للاتحاد الأوروبي (GDPR)، وذلك بعد سلسلة من النقاشات دامت حوالي أربع أعوام من أجل ضمان أمن بيانات الأفراد ضمن الاتحاد الأوروبي. يمكننا أن نعبر عن العمليات القائمة بين أصحاب المصالح المتعددين والتي تؤثر على كيفية إدارة الإنترنت “بحوكمة الإنترنت”.
في سياق حوكمة الانترنت، أثبت أسلوب إشراك أصحاب المصالح المتعددين Multi Stakeholders Model نجاحاً ممتداً نراه اليوم على هيئة منتدى حوكمة الإنترنت (IGF) الذي يقام بشكل سنوي تحت رعاية الأمم المتحدة (UN). قد لا يتمتع منتدى حوكمة الإنترنت IGF بسلطة اتخاذ القرارات التي تخص حوكمة الإنترنت، ولكنه يتمتع بالقدرة على مشاركة الآراء واقتراح أفضل الممارسات وتشكيل المناقشات والتأثير في سياسات الإنترنت على المستوى الوطني والإقليمي والدولي من خلال مشاركة أصحاب المصالح المتنوعين مثل الحكومات والشركات والمنظمات غير الربحية والباحثين والمستخدمين الأفراد وغيرهم بصوتهم حول كيف يجب حوكمة الإنترنت ووضع سياساته.
أصبح منهج أصحاب المصالح المتعددين أساساً لتطوير الإنترنت ونموذجاً شبه رسميًا للمناقشات حول مجموعة متنوعة من القضايا في مجالات مثل الأمن والخصوصية والاتصال وحقوق الإنسان بالإضافة لتبنيه على نحو متزايد على المستوى المؤسساتي، إذ لم يكن قانون حماية البيانات العامة للاتحاد الأوروبي GDPR نتاج وجهة نظر واحدة فقط، فقد شارك في النقاشات البرلمان الأوروبي والمفوضية الاوروبية ومجلس وزراء الاتحاد الأوروبي ومشرف حماية البيانات الأوروبي، من الواضح أنه لا يمكن لأي وجهة نظر واحدة حل القضايا متعددة الأبعاد والتي لا حدود لها، حيث يهدف القانون إلى تحقيق الآتي:
- توحيد قوانين خصوصية البيانات في جميع أنحاء أوروبا.
- حماية وتمكين خصوصية بيانات المواطنين في الاتحاد الأوروبي.
- إعادة تشكيل الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات في المنطقة مع خصوصية البيانات.
- تنظيم المعالجة من قبل فرد أو شركة أو منظمة من البيانات الشخصية المتعلقة بالأفراد في الاتحاد الأوروبي.
مع الانتشار الواسع لمنتديات حوكمة الإنترنت العالمية والإقليمية والمحلية التي تتناول قضايا الإنترنت المختلفة، تقوم عدد من الجهات والهيئات بأخذ خطوات وإجراءات معينة من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المشاركات الهادفة والمساهمات من أجل تشكيل مستقبل أفضل للإنترنت. حيث تقف طبيعة الإنترنت اللامركزية تحدياً في وجه حوكمة الإنترنت على الرغم من أنها ساهمت في جعله منصة موثوقة للابتكار والإبداع وحرية التعبير عن الرأي، وذلك بسبب ضرورة توفر الوقت والموارد والمشاركة والمتابعة المستمرة من قبل أصحاب المصالح المتعددين في هذه الندوات.
ونرى في ضوء الإجراءات Internet Society المتبعة لتحقيق مشاركات فاعلة خطة العمل السنوية التي وضعتها Internet Society لعام 2018 والتي تضمنت اتباع منهجاً جديداً يتمثل في إعداد حملات مستدامة وشاملة لتطوير مجموعة من الأولويات المركزة من خلال العمل الإيجابي، حيث تنظم هذه الحملات نطاقًا واسعًا من الأنشطة لتحقيق نتائج واضحة المعالم وإلهام الذين يمكنهم تعزيز هذه الأولويات المشتركة. كما يساعد التوافر المفتوح للمواد والمناقشات عبر الإنترنت بالإضافة إلى إمكانية المشاركة عن بُعد في الندوات على معالجة التحديات التي تفرضها العمليات اللامركزية في حوكمة الانترنت.
وكمثال حي عن هذه الأنشطة، حظيت بفرصة حضور مؤتمر ITU الإقليمي حول شأن المرأة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة العربية كجزء من برنامج زمالة ISOC للنساء في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي أقيم في أواخر شهر كانون الثاني من هذا العام، حيث دار فيه حوارات حول كيفية زيادة مشاركة النساء في مجالات التكنولوجيا والاتصال بحضور قائدات في القطاع العام والخاص والمنظمات المختلفة وناشطات بالمجالات التقنية من مختلف البلاد العربية مثل المديرة الإقليمية لقسم المشرق في البنك الدولي ومديرة التنمية المجتمعية في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر. بعد إجراء سلسلة من الحوارات بدا واضحاً أنه من الضروري تكريس جهود الجهات المختلفة نحو إجراء أبحاث تركز على قضايا المرأة العربية وكيفية زيادة مشاركتها في قطاعات التكنولوجيا المختلفة بالإضافة إلى تمكين النساء لتكنّ قائدات ملهمات لغيرهنّ في المجال لضرورة وجود قدوات ملهمات تحتذي بهن النساء في المجتمع.
وأخيراً نجد أن أصل نجاح الانترنت يعود إلى الطريقة التي بني بها وطبيعته التي تجعله قادراً على النمو كمنصة مفتوحة للابتكار وتبادل الأفكار. هذا الانفتاح هو الذي عرّف الإنترنت منذ البداية ومكنه من أن يصبح أداة قوية لتحقيق التغيير الإيجابي من خلال الأفكار والخدمات الجديدة التي تحدث فرقاً حقيقياً لدى الناس في جميع أنحاء العالم. لكن الحديث لا يتوقف هنا، هناك العديد من التحديات التي تقف في وجه حوكمة الانترنت، ويبقى التعاون والتشارك ضروريين لاستمرار نمو الإنترنت والابتكار فيه.